top of page

مخلوقون لكي نحكم!

تاريخ التحديث: 10 يوليو 2023


خلق الله العظيم "إلوهيم" الإنسان على صورته وشبهه؛ ليكون "ملكًا وكاهنًا" يملك على الأرض، ممثلًا ومفوضًا عنه شخصيًا: {وَقَالَ اللهُ [إلوهيم]: نَعْمَلُ الإنسان عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ...} (تك1: 26).


إنَّ "إلوهيم" اسم رئيسي من أسماء الله العبرية في العهد القديم، يشير إلى الله ذي الجلال والعظمة والقوة المقتدرة، الذي يخلق ويملك ويحكم ويقضي. ونجد أيضًا أنَّ المعنى في الأصل العبري لكلمة "َيَتَسَلَّطُونَ" -التي ذكرت بخصوص الإنسان الأول- تشير إلى المعاني نفسها المتضمنة في الاسم "إلوهيم"، وهي يسود على، ويملك ويحكم ويقضي، فيشير هذا المعنى بوضوح إلى أنَّ الإنسان مخلوق على صورة إلوهيم وشبهه؛ لكي يملك ويحكم ويقضي، تمامًا كصورة لخالقه.


أكَّد يهوه "إلوهيم" على هذا المعنى مرة ثانية -فيما يخص الإنسان الأول- عندما قال لَهُمْ: {أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ}. (تك1: 28)


وهنا تجد ارتباطًا وثيقًا بين الدعوة لممارسة السلطان الممنوح لآدم -لكي يُخضِع الأرض ويحكمها- وبين دعوة الله له لاستثمار الأرض. إنَّ السلطان أو الحكم الممنوح لآدم كان له علاقة مباشرة بإدارة ورعاية شؤون الأرض، لأجل الإثمار والتكاثر عليها.

وتقرأ أيضًا في (تك2 :15): {وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا}، وهنا نجد معنىً إضافيًا لضرورة منح الرب آدم سلطان السيادة والحكم، إذ تجد أنَّ الأصل العبري لكلمة "يحفظها" هو "شامار"، التي تشير إلى الحراسة والحفظ من الأذى! وهذه إشارة واضحة لآدم؛ كي يستعد للمواجهة مع الأعداء الروحيين، الشيطان الذي كان موجودًا في ذلك الوقت على الأرض نفسها، في البرية خارج الجنة. كان ينبغي على آدم ذي السلطان أن يستعد للمواجهة والانتصار لحماية الأرض.


كان آدم مدعوًا للسيادة والحكم على الأرض، على أساس علاقة الحب والعبادة التي بينه وبين الله. تقرأ في الأصحاح الثالث من سفر التكوين، إنَّ الله كان له عادة أن يتمشى مع آدم في الجنة: {وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ}، وهذا تعبير عميق عن العلاقة القوية التي كانت بينه وبين آدم. كانت هناك علاقة التصاق وعبادة حميمية بين آدم والله. إنَّ الالتصاق بالرب والعبادة، هما دائمًا سر إطلاق السلطان والسيادة. في ملكوت الله تجد أنَّ الملوك روحيًا (أي الذين لهم سلطان روحي)، لا بد أن يكونوا أولًا كهنة روحيين، أي يتمتعون بعلاقة والتصاق بالرب، وفي عبادة دائمة أمامه.


كان الدور الممنوح لآدم من خلال "العبادة" هو أن "يحكم"، أن يسود ويقود العمل في الأرض، ويحميها من المخاطر والشرور والأذى! وهذا هو المعنى الفعلي والصحيح لكلمة "حكومة" في كل اللغات، أي إنه عند وجود مَن يحكم ويسود ويقود وينظم، وفي نفس الوقت يحمي من خطر الأعمال الشريرة ومن الأذى، فهنا يُوجد ما يسمى: "حكومة" حقيقية.

كان آدم وحواء يشكلان معًا أول "حكومة" على الأرض، لصالح ملكوت الله. وتستطيع أن ترى بعض مظاهر هذه الحكومة، عندما أتى الله بكل الحيوانات إلى آدم؛ لكي ينظمها ويعطيها أسماء. كان الله يطلق آدم في دوره الحكومي على الأرض: {وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ [يهوه إلوهيم] مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إلى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا} (تك2: 19). وسر الرب بما فعله آدم بخصوص هذه المهمة.


نجح آدم في ممارسة دوره الحكومي، فيما يخص إدارة شؤون الأرض أو الجنة، التي أعطاها له الرب لفترة من الوقت. لكن عندما أتى العدو لكي يُجرِب ويؤذي، فيا للأسف، لم يكن آدم موجودًا أو مستعدًا، ولم تكن حواء أيضًا مستعدة. وحدثت الموقعة التاريخية التي سقطت فيها أول حكومة إلهية على الأرض، أمام الأعداء الروحيين. وبهذا السقوط، سرق العدو السيادة والحكم الممنوحين لآدم، وسرق أيضًا سلطان الإدارة وسلطان الحماية، وصار السارق هو الذي يدير، والظالم هو الذي يسود، وبات القاتل هو المسؤول عن شؤون الأرض.

يتبع..

Comments


bottom of page