زقاق جديد لخمر جديدة . . . عن الكنيسة د. عزت حكيم
- Ezzat Hakim
- 23 أغسطس 2023
- 5 دقائق قراءة
بل يجعلون خمرا جديدة في زقاق جديدة" (مرقس 2 :22)

زقاق جديد لخمر جديدة . . . عن الكنيسة اتحدث!
إن مناخ الأيام الأخيرة صار يعم العالم كله، حروب في أماكن عديدة، استمرار موجات الأوبئة، معدل الزلازل والبراكين في مناطق مختلفة أعلى من كل المعدلات السابقة، الاحتياجات المادية والمجاعات منتشرة بطريقة مؤلمة جداً. الضغوط الروحية والنفسية على المؤمنين لم نر مثلها من قبل، التعرض للخوف والاكتئاب، والاحساس بالوحدة والرغبة في التخلص من الحياة صار منتشراً بدرجة لم نرى مثلها من قبل!
الأمر الغريب أن معظم كنائس اليوم لازالت تحتفظ وتتمسك جداً أنها تستمر تكون كنائس منبرية، يعنى أهم أمر لتقيم الكنيسة لنفسها هو ما يحدث على المنبر فقط، وكأنك يمكن أن تقيم أي كنيسة في النهاية على أساس "الوعظة" التي تقدم يوم الأحد! إننا صرنا غير قادرين على رؤية الألم العميق الذي يجوز داخل الاف من المؤمنين بسبب أننا لا زلنا نركز على الحفاظ على "الوعظة المنبرية" يوم الاحد ونستمر نأخذ "الجرعة" المطلوبة ونحافظ على المظاهر الخارجية وكأن كل شيء على ما يرام! لكن الحقيقة أننا في غيبوبة ولا يوجد شيء على ما يرام، نحن فقط، وبسبب تركيزنا على المظهر، فقدنا رؤية الواقع!
ما هو الواقع
1. انهيار الحياة الشخصية للمؤمنين:
الخطية صارت جزء طبيعي في حياة كثير من المؤمنين، كنت أصلى مرة مع أحد رجال الأعمال وكان يطلب البركة على شغله، ونحن نصلى قال لي الرب أن أسأله: "هل أنت تكذب في عملك؟" وكان رده سريع وصريح:" هو فيه حد لا بكذب في شغله؟" وأعطاني انطباعا قويا أن الكذب شيء عادى في البزنس. ثم شاركته بشكل واضح من الكتاب المقدس أنه مكتوب "لا تكذب" و "لا تكذبوا بعضكم على بعض" و "أن حنانيا وسفيرا وقعوا موتى بسبب كذبهم على بطرس وعلى الروح القدس"
رؤية المواد الإباحية على الكمبيوتر وعلى التليفون المحمول صارت جزء من الحياة اليومية للبشر ومنهم "المؤمنين"، وكأنه لا توجد وصية تقول: "واما انا فأقول لكم: ان كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه. فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك، لأنه خير لك ان يهلك أحد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك، لأنه خير لك ان يهلك أحد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم"(مت 5: 28)
إن الاستباحة الجنسية وانتشار الغضب والعنف والكلام القبيح، والحلفان كغطاء للكذب وكأننا فقدنا الحس الروحي ونظل نذهب كنيسة الأحد لكي نسمع العظة ونأخذ الجرعة التي تسكننا حتى نرجع الأحد الذي يليه صار أمراً معتاداً جداً!

2. انهيار الحياة الزوجية في البيت:
إن الزواج المسيحي في الأساس يقوم على الحب والالتزام والتراحم والغفران والمشاركة، وهذه المعاني واضحة جداً في الكتاب المقدس. لكن بسبب تأثيرات العالم اليوم صار الزواج صراع استهلاكي على الجنس من جهة وصراع على الأموال من جهة أخرى، وامتلأت البيوت بالمشاحنات، والخناقات، والغضب، والعنف. وانتشر الطلاق بين المؤمنين، وصار أشهر سببين لطلب الطلاق هما الخلاف على الجنس (55%) أو على الفلوس (40%)!
لا توجد رعاية حقيقية لحياة العائلة ولا يوجد تعليم خاص للمتزوجين في سياق عظة الأحد لأنها لابد أن تكون جذابة، ومنمقة ومرضية للجميع، حتى لو لم تف الاحتياج الحقيقي للسامعين. كنيسة يوم الأحد – عن غير قصد - سرقت المذابح العائلية من البيوت، وجعلت المؤمنين يدمنون على عظة الكنيسة أكثر من التزامهم بالعبادة كعائلة في البيت. العظة صارت أهم من العلاقة الشخصية مع الرب.
يقول سفر ملاخي وكأنه يشرح ذهابنا الى الكنيسة ونحن مستمرين في حياة زوجية منهارة: “وقد فعلتم هذا ثانية مغطين مذبح الرب بالدموع، بالبكاء والصراخ، فلا تراعى التقدمة بعد، ولا يقبل المرضي من يدكم. فقلتم: «لماذا؟» من اجل ان الرب هو الشاهد بينك وبين امرأة شبابك التي انت غدرت بها، وهي قرينتك وامرأة عهدك"(ملاخي 2: 13)

3. انهيار صورة المسيح في المؤمنين:
إن الهدف النهائي للحياة المسيحية هي أن يتصور المسيح فينا، "يا اولادي الذين اتمخض بكم ايضا الى ان يتصور المسيح فيكم"(غل 4 :19)، "لان الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرا بين اخوة كثيرين"(رو8: 29)
إن هذا التحول لصورة المسيح يحتاج الى تشكيل الحياة من خلال "التلمذة" التي أوصى بها الرب يسوع منذ تكليفه للتلاميذ: "اذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به"(مت 28: 19). التلمذة أمر مختلف تماماً عن عظة يوم الأحد، لأن التلمذة دروس حياتية متتابعة، ومشاركة في الحياة العملية للمؤمنين، ندرس معاً، نصلى معاً، نبكى معاً ونفرح معاً ونرى نجاح التشكيل معاً. أما عظة الأحد فهي في العادة موضوع مستقل غير مرتبط بما قبله أو بما بعده. ولأن الراعي منشغل جداً بعظة يوم الأحد لأنها مركز كل شيء، تستطيع أن تدرك أن عظة الأحد سلبت المؤمنين الحق في التلمذة والتحول الى شبه المسيح. الحقيقة المحزنة أيضاً أن الكنيسة الآن ممتلئة بالمؤمنين الذين لا يشبهون يسوع!!
4. انهيار الشهادة للمسيح:
يقول سفر أعمال الرسل كلمة مفتاحية لانتشار رسالة الانجيل في الكنيسة الأولى: "فالذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة"(أع 8 :4) وهذه الآية تشرح كيف أن هؤلاء المؤمنين كانوا يتمتعون بأمرين نادرين اليوم، الأول أنهم كانوا "على شبه المسيح" والثاني أنهم كان لديهم "الحب والجرأة والحماس" أن يشهدوا عن مخلصهم المسيح! الإدمان على عظة يوم الأحد أفقدت المؤمنين الحق والوقت في التلمذة وانهم يكونوا على شبه المسيح، ونفس هذا الإدمان جعلهم يعيشون في منطقة الراحة المزيفة داخل الكنائس منتظرين العظة التالية! وليس هناك مكان لأهمية الذهاب خارج الاسوار لأجل الشهادة للمسيح.

كيف تصير الكنيسة زقاق جديد
لابد من الاقتناع أن عظة يوم الأحد ليست هي كل "الكنيسة"! إن الرب يريد أن يعطى نعمة خاصة عظيمة جداً للكنيسة اليوم لكي تواجه تحديات الأزمنة الأخيرة، إن قادة كنيسة اليوم وشعبها لابد أن يكونوا مستعدين لتغيير "الزقاق" وشكل الكنيسة المعتاد لكي نستقبل الخمر الجديدة والانسكاب المتجدد من الروح القدس كما هو مكتوب " يقول الله: ويكون في الايام الاخيرة إني اسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم احلاما، وعلى عبيدي ايضا وامائي اسكب من روحي في تلك الايام فيتنبؤون"(أع 2 :17)
يقول المسيح: "وليس أحد يجعل خمرا جديدة في زقاق عتيقة، لئلا تشق الخمر الجديدة الزقاق، فالخمر تنصب والزقاق تتلف. بل يجعلون خمرا جديدة في زقاق جديدة" (مرقس 2 :22)
البدايات
1. ينبغي استرداد المذابح العائلية:
إن مكان العبادة الرئيسي وسط شعب الرب هو البيت، لأجل هذا كان يصرخ يشوع بهذا النداء "أما انا وبيتي فنعبد الرب" (يشوع 24 :15)، لابد أن يرجع المسيح لبيوتنا وعلاقاتنا العائلية بين الزوج والزوجة وبين الاباء والابناء، يكون لنا بيوت مقدسة ليس فيها شر، ولا يدخلها نجس. أحد رجال الله يحكى أنه مرة وهو يصلى رأى رؤية لجبل كبير مظلم، ولكنه ممتلئ بالنقاط الصغيرة المضيئة، والرب قال له هذه هي بيوت المؤمنين وسط عالم ممتلئ بالظلام! إن بيوت المؤمنين لابد أن تكون نور.
عندما تجتمع العائلة للعبادة ويعلنوا حضور المسيح، يمتلئ البيت بالنور وتلقائيا نرى الدم على العتبة العليا والقائمتين حماية الهية لهذا البيت، ونشتم رائحة الطيب التي تفوح حتى للبيوت المجاورة.

2. مجموعات الشركة البيتية:
أولا أهمية استرداد "الشركة" الحقيقية بين أولاد الرب، أن يكون هناك علاقات حقيقية بمشاركات حقيقية من الحياة، ونفرح مع الفرحين، ونبكى ونصلى مع الباكين، وأن نحمل بعضنا أثقال بعض. وهذا يتم في مناخ من الحب والثقة المتبادلة.
وثانياً استرداد "مجموعات التلمذة" الممتلئة بالتعليم والمعايشة والمتابعة حتى يتصور المسيح في التلاميذ. أفضل مكان للشركة ومجموعات التلمذة هي بيوت المؤمنين تحت قيادة ومتابعة الراعي أو القسيس أو قائد التلمذة في الكنيسة. نحن لا نعرف أيضاً تطور الأحداث العالمية مع كل توقعات الاضطرابات وأخبار الحروب وظروف الاضطهاد. ينبغي للكنيسة أن يكون لها امتداد حي وفعال في بيوتنا.
الأمر الثالث والهام، أن كنائس البيوت تصبح بؤر ومراكز كرازيه تلقائية وسط المدينة أو حيثما كان مكان هذا البيت "فليضيء نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا اعمالكم الحسنة، ويمجدوا اباكم الذي في السماوات" (مت 5: 16)
إن معجزة الكنيسة في الصين وامتدادها لتصبح تقريباً أكبر كنيسة حقيقية في العالم اليوم هو الامتداد من خلال بيوت المؤمنين في كافة أنحاء البلاد!

3. استرداد مجتمع الملكوت:
إن مؤمنين الكنيسة الأولى كانوا يعيشون الموعظة على الجبل باعتبارها دستور الحياة، وكانوا يتعبدون ليسوع ليس فقط باعتباره المخلص لكن كان عندهم وعى عالي جداً أنه الملك! الذي يستحق كل شيء، مكتوب عن التلاميذ عندما كانوا في تسالونيكي أنهم كانوا ينادون بملك آخر اسمه يسوع: "ان هؤلاء الذين فتنوا المسكونة حضروا الى ههنا ايضا. . . وهؤلاء كلهم يعملون ضد احكام قيصر قائلين: انه يوجد ملك آخر: يسوع!"
لابد أن يسترجع "يسوع" مكانته في وسط كنيسته ليس فقط كمخلص، ولكن أيضاً كملك. وأن الروح القدس يكون القائد الحقيقي الذي يرشد ويوجه مثلما حدث في سفر أعمال الرسل: "أفرزوا لي برنابا وشاول للخدمة" أو "يكما اعطى لبولس رؤية الرجل المكدوني الذي يقول أعبر الينا وأعنا"
استرداد مجتمع الملكوت أعظم استعداد للكنيسة وهي تنتظر مجيء المسيح كملك غالب منتصر ليملك علينا كشعبه الملكي!

استرداد الحياة الشخصية و العائلية هو النواة لاسترداد المجتمع و خلاص الكثيرين
الرب يباركك دكتور عزت ننتظر المزيد من المنشورات الروحية.